حول العالم

دراما القتل بدم بارد .. WAR حرب على نار هادئة

إشراف : ريزان العرباوى

فى عصر السموات المفتوحة وانتشار المنصات والبدائل الرقمية التى احتلت مكانة كبيرة ضمن اهتمام الجمهور, لما تقدمه من محتوى درامى تلفزيونى أو سينمائى يتمتع بكافة عناصر الإبهار والجذب والسلاسة فى المتابعة بعيدا عن الفواصل الإعلانية وعدم خضوعها لمقص الرقيب, فتح أمامها الساحة لخوض حرب باردة على نار هادئة تستهدف فئة الشباب والأطفال لتتمادى فى طرح موضوعات تتعارض مع عادات وتقاليد الشرق والتعمد بدس أفكار معينة بشكل غير مباشر فكان هو السم الذى يقدم فى العسل لشرائح من المجتمع بعينها وتجد لنفسها تربة خصبة لزراعة الأفكار المنحرفة.

فكيف نواجه تلك الحروب الممنهجة؟, وما تأثير تعرض الأطفال والشباب لمشاهد دموية بمستوى عنف شديد جدا؟، ولماذا التعمد بربط جرائم القتل بنوستالجيا الطفولة؟.

كعادتها تستمر منصة نتفليكس فى إثارة الجدل بما تقدمه من أعمال بعد إعلانها تقديم الجزء الثانى من المسلسل الكورى اسكواد جيم على المنصة والذى أثار حالة من الجدل حول محتواه الدموى غير الآدامى, وانطلقت رسائل تحذيرية من بعض المدارس موجهة لأولياء الأمور بضرورة منع الأطفال من مشاهدة العمل بعد ملاحظة قيام بعضهم بتقليد الألعاب التى جاءت ضمن سياق العمل، والذى تدور أحداثه حول لعبة كورية قديمة تحمل نفس اسم المسلسل، ولكن تتطور اللعبة داخل المسلسل لتصبح لعبة حياة أو موت، فالذي يخسر اللعبة يفقد حياته.

العام الماضى أيضا انطلقت حملات لمقاطعة المنصة بعد عرض فيلم مينيون والذى اطلق عيلة كيوتيز بالإنجليزية وأثار غضب المتابعين لتوجه الانتقادات والإتهامات ضد شركة نتفليكس بالترويج والحث على الإباحية فى صفوف الأطفال. فقد عهد عن تلك المنصة وغيرها من المنصات العالمية ترويجها لأفكار غريبة وشاذة عن الطبيعة الإنسانية السليمة مثل القتل والانتحار والشذوذ الجنسى وتقديمها فى شكل جذاب يسـهل علـى المراهقين التوحـد مـع مثـل هـذه الأفـكار ومحاولة تقليدهـا.

وعن مدى قدرة تلك المنصات وتأثيرها على عقول الشباب وما السبل لمواجهة تلك الحروب الممنهجة يقول د.حسن عماد مكاوى أستاذ الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام وعميد الكلية سابقا: مما لا شك فيه أن وسائل الإعلام الرقمية الجديدة ومنصات المشاهدة الرقمية لها دور كبير في تشكيل أفكار ومعتقدات وقيم المراهقين, فلم تعد الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام التقليدية لها اليد العليا فيما يكتسبه المراهقون من معارف وأفكار ومعلومات, وتأثيرها قوى جدا على العالم كله، ولكن قد تكون نسبة التركيز على المجتمع الشرقى وبالأخص مصر, وتعتبر منصات الدراما من أهم الأشكال البرامجية التي تجذب إليها عددا كبيرا من الجماهير وخاصة من فئة المراهقين والشباب، ولكنها قد تقدم بعض الأعمال التي تحوي أفكارا وقيما غريبة عن المجتمع, بل وفي بعض الأحيان تكون قيما منافية للأخلاق والآداب العامة.

ويتابع: أرى أن هناك علاقة بين تراجع الإعلام التقليدى فى مصر وبين تهافت الشباب على المنصات وفى ظل حالة التراجع تلك وعدم توافر بدائل يبحث الناس أنفسهم عن بدائلهم وهى متاحة بشكل مغرى وباشتراك مالى زهيد فيلجأ إليها المتلقى خاصة وأنه سيشاهد الأعمال الدرامية التى يريدها فى الوقت الذى يحدده ودون فواصل إعلانية, فالمنصات أصبح لها دور كبير جدا فى جذب الجماهير من شتى أنحاء العالم وفى منطقتنا وفى مصر بشكل أوسع وطبعا عدم الجذب الاعلامى له دور فى زيادة نسبة التعرض للمنصات الإلكترونية.

ويضيف: بالرغم من انتشار مسلسل اسكواد جيم وتصدرة قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة أرى أن تأثيره سلبى للغاية على مستوى القيم والعادات والتقاليد والأعراف فى المجتمع لاحتوائه على رسائل مبطنة أضف إلى ذلك المشاهد شديدة العنف والدموية والتعامل مع مفهوم الإنسانية بشكل مهين فهى تخترق المعايير تماما وهو من شأنه تفتيت مقومات المجتمع، ويؤدى أحيانا الى تفكك أسرى والوقوع فى أخطاء وأحيانا جرائم يتم تقليدها من خلال تلك الأعمال فبها تحفيز لممارسة العنف وكلها أمور ضد المجتمع وضد القيم الاجتماعية السائدة.

ويتابع: ثبت من الأبحاث العلمية أن كثرة مشاهدة الأفلام التى تحتوى على مشاهد قتل ودماء تجرد الناس من المشاعر وخاصة الأطفال وقد ينتقل إليه شعور بأن عمليات القتل تلك عمليات عادية من الممكن أن يؤديها, فكلما ازداد تعرض الأطفال لهذا النوع من المحتوى العنيف تتكون انطباعات عنف لديهم، والتي تحث الطفل على تطبيق تلك المشاهد على أرض الواقع.

ولمواجهة هذا الخطر يقول: يجب أولا، رصد جوانب الضعف فى الإعلام المحلى والعمل على تقويته والنهوض به, ثانيا: البحث عما يحتاج إليه المشاهد وما يريده فى محاولة لتلبية رغباته واحتياجاته, ثالثا: ممارسة ما يسمى بالتربية الإعلامية بمعنى تعليم الأطفال والنشء والمراهقين كيفية التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة ومن الممكن أن يتم ذلك فى المدارس والجامعات والنوادى ومراكز الشباب من خلال الندوات وعلى سبيل المثال يهتم اليونسكو بمادة تسمى التربية الإعلامية وتساعد المتلقى على المشاهدة الواعية للعمل ثم تحديد الجوانب الإيجابية والسلبية فهى تنمى لديه القدرة على الاختيار وفرز وغربلة الأعمال التى تهدم القيم والتقاليد.. أما عن قدرة حملات المقاطعة التى ينظمها البعض فلا أعتقد أن لها جدوى ما لم تتوافر البدائل فمن الصعب التخلى عنها لأنها أصبحت جزء من الممارسات اليومية ونظام حياة.

وعن احتمالية خضوع تلك المنصات لأجندات خارجية يتابع: أنا أوافق هذا الرأى لما تروج له من قضايا قد تكون من وجهة نظرهم مهمة مثل الشذوذ الجنسى, ولكن لا أريد أن نخضع لنظرية المؤامرة وأن العالم كله يحاول النيل منا والعمل ضدنا لأننا لسنا المستهدفين فقط فهى منصات تعرض على العالم كله ولكل الدول العربية والأوروبية ونحن جزء بسيط من هذا العالم.

وتؤكد الناقدة الفنية خيرية البشلاوى، خطورة البدائل الرقمية والمحتوى المفتوح فهى قد تبدو للجيل الجديد فى ظاهرها برئ لكنها فى حقيقة الأمر تهدف إلى تطبيع عقول الشباب بأفكار معينة تتنافى مع ثقافتنا وشرقيتنا, وتقول: لا بديل عن الوعى وعن التعليم الجيد ولا بديل عن إعلام قادر على بث روح النقد للمساهمة فى تشكيل عقل ناقد وليس متلقى فقط, وبهذا نتمكن من الاختيار وفرز الجيد من الردئ لأننا لا نملك أى أدوات من أى نوع لمنع تلك الواردات أو اخضاعها للرقابة, فالرقابة الوحيدة من داخل الذات ومن الثقافة والوعى والذوق والذائقة الفنية فالشخص الذى يختار يحركه مستواه التعليمى والبيئى والثقافى وتلك العوامل تعتبر صمام أمان أو خطر لأننا لا نملك أسلحة لخوض تلك الحروب سوى وعى المتلقى والإعلام المحلى الجيد المحترم والتدين الحقيقى ونضع تحت الجملة الأخيرة خط أحمر.

وبالنسبة للأطفال يأتى هنا دور مؤسسة الأسرة فالطفل يخضع فى سنوات تكوينه الأولى, وهى سنوات مهمة جدا للأسرة والأم بشكل خاص، وتتابع: حملات المقاطعة لن تفيد ولن تتمكن من وقف هذا البث لأنها أصبحت لغة العصر وبات لكل فرد فى الأسرة جهازه الرقمى الخاص به والخطر الكبير على الشاب الذى يخلو غرفته بجهازه ويطوف العالم كله بضغطة زر.

وتضيف: هناك مؤسسات علمية ومعاهد بحثية تستهدف عقول الشباب والأطفال وأنا مقتنعة بذلك تماما, فالهدف الوصول لمفاتيح الشخصية المصرية ليتمكن بعد ذلك من تفكيك المجتمع والشعوب والمقدسات ودس أفكار بطرق غير مباشرة بشكل يفضح الأجندة التى يسعى صناع المحتوى من تحقيقها فنحن أمام صراع خفى ومستمر طوال الوقت, وأنا كمتلقى أخضع وفقا لقدرتى على تشكيل صمامى الذاتى ماذا أستقبل وما الذى يمكن استقباله فإن لم نقوى أنفسنا بلقاح ضد الثأثر مما يتم عرضه من أفكار مسمومة والالحاح للفت النظر إلى مسألة التطور العلمى الحاصل فى الكوكب والابتعاد عن خلق مناخ غيبى, فعليه العوض وخاصة على الأجيال الجديدة.

وتحذر البشلاوى من قدرة تلك المؤسسات على تحقيق أهدافها والسيطرة على عقول الشباب ومن خطر المحاكاة فيما بعد مع تغير الظروف وتقبل القيم الشاذة على أقل تقدير, الأمر الذى يتطلب وعيا من جانب كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية لخطورة تعرض المراهقين لذلك المحتوى وما يتضمنه من رسائل ضمنية تعلق في الأذهان وتتعارض مع منظومة القيم والعادات والتقاليد، لذلك يجب مواجهة ذلك التحدي من خلال تثقيف وتحصين الشباب فكريا، وتوفير منصات بديلة بمحتوى لا يقل عما تقدمه تلك المنصات العالمية.

السابق
طريقة عمل زنجر الدجاج المقرمش
التالي
من هي زوجة السيد ذي يزن

Leave a Reply