حول العالم

القصيدة المغناة في الشعر العربي كتاب جديد للدكتور أحمد فرحات 

صدر كتاب “القصيدة المغناة في الشعر العربي ” دراسة أسلوبية فنية، للباحث د. أحمد فرحات
يتناول الكتاب قضية الغناء والكلمة المغناة منذ العصور الأولى حتى الآن، وفيه يقول: سمعت السيدة أم كلثوم وهي تشدو بالقصائد المغناة فهالني محافظتها على اللهجة المصرية وهي تؤدي القصيدة الفصحى، وخاصة عندما تنطق كلمة بها أحد الحروف اللسانية(الثاءالذالالظاء) فكانت لا تخرج لسانها في هذه الكلمة، أو تلك، ورحت أبحث عن سبب .. كما كانت لا تعطش الجيم الفصحى كما يحدث في قراءة القرآن الكريم، بل كانت تكتفي بنطقها جيما كالجيم القاهرية. هل كانت تفعل ذلك كإثبات لجنسيتها المصرية؟ أو حبا في وطنها؟ على الرغم من أن المصرية كانت تذوب في العروبة.
والمنهج الذي ارتضيته هو المنهج الفني الأسلوبي، وهو منهج يقوم على استكناه النص الأدبي، ومحاولة التركيز على اللغة الجلية، متجنباقدر استطاعتياللغة المعماة، والطلاسم التي ابتلي بها النقد الأدبي في العصر الحديث، وكان جل همي هو المتلقي..
فمما يؤسفني ويحز في نفسي عندما أدعى إلى مؤتمر أدبي أو مناقشة كتاب، أو ندوة ثقافية أو… كنت دائما أنظر إلى الجمهور فلم أجد إلا صاحب العمل وبضعة رجالات من المهتمين بالنقد الأدبي والدراسات الأدبية، لا تكاد تتجاوز أعدادهم أصابع اليدين. وربما يرجع السبب في نفور الجمهور إلى لغة النقد وكذا لغة الأدب تلك اللغة المعماة، شديدة الغموض وكأني أرى ثلة قليلة تخاطب ثلة أقل. ويعزو السبب في ذلك إلى أسباب مختلفة.
فقد بات الباحث العربي ممسكا بالمصطلحات الأدبية والنقدية، أو قل متصيدا لها، فيقتلعها   من جذورها الأوربية ليزرعها في بيئة عربية، دون أن يبذل جهدا في ترجمتها ترجمة صحيحة. ثم يظل ذلك المصطلح الأوربي المترجم عند التطبيق منعزلا عن النص العربي المقروء، ومن ثم يتباهى الباحث/الناقد بتوثيق بحثه بمصادره ومراجعه الأوربية، بطريقة تزيينية؛لأنه يقتلعها دون فهم، فتبدو لنا كما لو كانت استعراضا لثقافة الناقد ومعرفته باللغة الأجنبية، وفي الحقيقة هي مسألة شكلية لا غير، فينتج عنها القراءة المشوهة، وهي القراءة السائدة لدى بعض النقاد والباحثين العرب. وفي النهاية يتبين أن النقد العربي الحديث أقرب إلى التناص المكشوف مع النقد الأوربي الحديث، ونجد أن بعض الكتب العربية النقدية ليست إلا (تلاصا) لكتب غربية إلا من رحم ربي. ونتيجة لذلك فقد ظهر الخلط الواضح بين ناقد مبدع مبتكر، وبين باحث يجمع آراء الباحثين الآخرين، ويعلق عليها تعليقات انطباعية. كما ظهر نقاد مشهورون ليس لهم في كتبهم أية أفكار ذات طابع شخصي مستقل، بل هي مجموعة من الأفكار الأوربية المترجمة.
وعن لغة الكتاب يقول: ولذا عمدت إلى كتابة التحليل بأسلوب جلي ليقرأه طلاب المدارس قبل طلاب الجامعات، وطلاب الجامعات قبل طلاب الدراسات العليا، وطلاب الدراسات العليا قبل المتخصصين الأكاديمين، وهكذا أردت لنفسي أن يكون للأدب جمهور عريض.
لست في مجال مناقشة سبب نفور الجمهور الأدبي، ولكني أردت أن أشير إلى لغة التحليل، وبساطتها، غير عابئ باللغة المعماة التي تزيد الهوة بين النخبة المثقفة والجمهور العريض للشعر والأدب. وفي هذا المجال يجدر بي أن أشير إلى شعر نزار قباني الذي قرأه جمهور أكبر من شعر المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس. فشعر نزار دخل البيوت من أبوابها ونوافذها، وتسلل بين الجدران حتى سكن حنايا القلب. فـ”ليس هناك شاعر معاصر عربي أو غير عربي يُقرأ على النطاق الذي يقرأ عليه نزار، لقد جعل الشعر يملأ الهواء من كل مدينة أو قرية عربية فراح يدخل بيوت الناس من أبوابها ونوافذها كالشمس” .
ليس من أولويات البحث اتخاذ كل القصائد المغناة في الشعر العربي، لكنه اتخذ نموذجا لبعض القصائد المغناة التي نالت إعجاب الناس والنقاد على السواء. فاتخذت لشوقي وأبي فراس ونزار وللخيام وإقبال وجرداق والمرواني كنماذج للقصائد المغناة بغض النظر عن روائع لناجي ورامي وحافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل وصالح جودت وغيرهم مما لم يتخذه البحث. وكان من أكبر أولوياتي اتخاذ نماذج راقية ثم تناولها بأسلوب جلي واضح مبتعدا عن الطلاسم واللوغريتمات الغريبة والغربية التي ملأت ميدان النقد الأدبي والدراسات الأدبية في معظم الأقطار العربية.
تعريف القصيدة المغناة: القصيدة المغناة هي نص شعري توافرت فيه عناصر الغناء، منها سهولة اللفظ، وانسيابه، ورشاقته، وطبيعة القالب الموسيقي المختار. تجاوز هذا النص الذوق الخاص إلى الذوق العام، بغية إحداث حالة نفسية قوامها الإمتاع والإقناع، وليس بالضرورة أن يكتب النص لغرض الغناء، بل يمكن للمغني أو المغنية إجراء بعض التعديلات في النص الأصلي؛ لأسباب فنية أو دينية أو أخلاقية، أو ذوقية، أو سياسية، أو اجتماعية، حسب رؤية المؤدي نفسه، لا حسب الشاعر المبدع الأصلي للنص، وفي بعض الأحيان يكون برضا الشاعر نفسه، أو بغير رضاه.
تراعي القصيدة المغناة الجمهور بشكل مباشر، ومن هنا فالناقد ليس فردا بعينه، بل هو جمهور عريض، ومراعاة الجمهور هنا أمر تفرضه القيود العامة، والذوق العام أيضا؛ لأنه يتعامل مع نص من أهم خصائصه خلق حالة نفسية تشعرك بالرضا أو السخط أو الحب أو إشعال الحماس أو القناعة،… يستوي في ذلك الأمير والخفير، العامل والفلاح، المثقف وغير المثقف، فكم من فلاح يعمل في حقله ويترنم بكلمات لا يعرف مدلوها، وطالما ترنم الفلاح بـ”يا حبيبا زرت يوما أيكه” أو بـ”والنواسي عانق الخياما” أو بـ”وعدونا فسبقنا ظلنا” أو بـ”ما ضر لو جعلت كأسي مراشفها، ولو سقتني بصاف من حمياها” .
القصيدة المغناة لا حدود لها، وهي نص قائم برأسه، فقد يبقى من النص الأصلي(المكتوب في الديوان) العنوان، وقد يغيره الشاعر أو المغني، وقد يضيف إلى النص الأصلي أبياتا أخرى ليست في الديوان، وقد يحذف منه أبياتا كانت موجودة في الأصل، حتى يكون النص المغنى قائما بذاته، بصرف النظر عن النص الذي في ديوان الشاعر، وقد يقتضي المغني إضافة بعض الكلمات من عنده، لغرض اللحن والأداء. فالنص المغنى هو ابن شرعي للنص المكتوب، بيد أنه لا وصاية عليه. ومعنى ذلك أيضا أن النص المغنى هو نص موثق بطبعه، ولا يحتاج إلى توثيق.
وقد تكون القصيدة واضحة جلية، كأغلب النصوص المغناة، وقد تكون رمزية، لها أكثر من تأويل؛ فنص “قارئة الفنجان” نص محير، يذهب في تأويله المتلقي كل مذهب، وهو نص على مستوى الكلمة صادم للجمهور، وإن أعجب به، لأن الجمهور يريد أن يخرج بحالة رضا عن النص، ثم يفاجئ المبدع الجمهور بنص محير، يستعصي على الفهم إلا لخاصة الخاصة، لكنه يقبل من المغني، لحبه الشديد له، كل ما يقوله، والنص هنا متسق بعناصر أخرى تُرَغِّبُ فيه،لكن له أكثر من تأويل، فالدلالة في النص مفتوحة، ويمكن أن تتصف بالشمولية دون التحديدية.
وقد تكون رمزية النص رمزية جزئية، تتوجه إلى علاقات الكلمات أكثر ما تتوجه إلى علاقات الصور ، وأنها في الغالب لا تقوم على التجريد الكلي للمحسوس بقدر ما تقوم على المجاز. كما في القصيدة المغناة لجبران:
هلْ تخذتَ الغَابَ مثلي
  منزلا دُونَ القصور
فتتبعْتَ السَّوَاقي
  وتَسَلَّقْتَ الصُّخُور
هَلْ تحممتَ بعطرٍ
  وتنشفْتَ بنور
وشربْتَ الفَجرَ خمرا
  في كؤوسٍ من أثير
هلْ جلستَ العَصْرَ مثلي
  بينَ جَفناتِ العنب
والعناقيدُ تَدَلَّتْ
  كثُرياتِ الذَّهب
وتكمن القيمة الحقيقة في القصيدة المغناة أنها تساعد على انتشار الشعر والأدب في أكبر قطاع من الجمهور، وأنها تعمل عمل المدرسة والجامعة في الجمهور، فتؤدي دورهما في القيام بتثقيف الناس، وترقية أذواقهم، وتلبي حاجة نفسية في ضمير المجتمع، ومن جهة أخرى فإنها تحافظ على اللغة من الابتذال والسوقية التي تفشت في المجتمع جراء استعمال كلمات هابطة دون المستوى، وللقصيدة المغناة دور في إثارة الحماس لدى الجمهور، خاصة إذا كانت الكلمات من النوع الوطني الحماسي، وتعمل على رقي الذوق لدى الشبيبة والشباب، فتوجهم توجها محافظا.

اقرا ايضا : «الثقافة» يغلبها الشللية والمصالح المشتركة
حوار| أحمد فرحات: الجامعات المصرية تغط في نوم عميق.. والفساد مستشرى بمجمع اللغة العربية

 

السابق
ولد يوم وفاة ابي حنيفة
التالي
الأهلي يدرس إلغاء معسكر الإمارات بسبب كورونا 

Leave a Reply