سؤال وجواب

أيهما أفضل فعل الطاعات أم ترك المحرمات؟

أيهما أفضل فعل الطاعات أم ترك المحرمات؟

المحتويات

قال الامام العلامة شمس الدين ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين) :
فصل: فهذا بعض ما احتجت به الطائفة وقالت طائفة أخرى بل الصبر على فعل المأمور أفضل وأجل من الصبر على ترك المحظور لأن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المحظور والصبر على أحب الأمرين أفضل وأعلى وبيان ذلك من وجوه

أحدها: أن فعل المأمور مقصود لذاته فهو مشروع شرع المقاصد فإن معرفة الله وتوحيده وعبوديته وحده والإنابة إليه والتوكل عليه وإخلاص العمل له ومحبته والرضا به والقيام في خدمته هو الغاية التى خلق لها الخلق وثبت بها الأمر وذلك أمر مقصود لنفسه والمنهيات انما نهى عنها لأنها صادة عن ذلك أو شاغلة عنه أو مفوتة لكماله ولذلك كانت درجاتها في النهى بحسب صدها عن المأمور وتعويقها عنه وتفويتها لكماله فهي مقصودة لغيرها والمأمور مقصود لنفسه فلو لم يصد الخمر والميسر عن ذكر الله وعن الصلاة وعن التواد والتحاب الذى وضعه الله بين عباده لما حرمه وكذلك لو لم يحل بين العبد وبين عقله الذى به يعرف الله ويعبده ويحمده ويمجده ويصلى له ويسجد لما حرمه وكذلك سائر ما حرمه انما حرمه لأنه يصد عما يحبه ويرضاه ويحول بين العبد وبين إكماله.

الثاني ان المأمورات متعلقة بمعرفة الله وتوحيده وعبادته وذكره وشكره ومحبته والتوكل عليه والإنابة اليه فمتعلقها ذات الرب تعالى وأسماؤه وصفاته ومتعلق المنهيات ذوات الاشياء المنهى عنها والفرق من اعظم ما يكون.

  ترك المنهيات أم فعل الطاعات؟

أيهما أولى وأفضل عند الله : ترك المناهي والمحرمات أم فعل الأوامر

والطاعات؟

قال بعضهم : ترك المناهي أهم وأشد خطرا من فعل الأوامر، واستدلوا بالحديث الصحيح المتفق عليه، الذي ذكره النووي في أربعينه، وشرحه ابن رجب في جامعه، وهو: “إذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم ” .. قالوا: هذا يؤخذ منه أن النهي أشد من الأمر، لأن النهي لم يرخص في ارتكاب شيء منه، والأمر قيد بحسب الاستطاعة، وروى هذا عن الإمام أحمد.

ويشبه هذا قول بعضهم : أعمال البر يعملها البر والفاجر، وأما المعاصي، فلا يتركها إلا صديق.

وروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “اتق المحارم، تكن أعبد الناس“.

وقالت عائشة رضي الله عنها: “من سره أن يسبق الدائب المجتهد، فليكف عن الذنوب “، وروى عنها مرفوعا.

وقال الحسن: ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه.

والظاهر أن ما ورد في تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به على نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات، لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوب عدمها، ولذلك لا تحتاج إلى نية، بخلاف الأعمال، ولذلك كان جنس ترك الأعمال قد يكون كفرا كترك التوحيد، وكترك أركان الإسلام أو بعضها، على ما سبق، بخلاف ارتكاب المنهيات فإنه لا يقتضي الكفر بنفسه، ويشهد لذلك قول ابن عمر :

لرد دانق حرام أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله.

وعن بعض السلف قالترك دانق مما يكره الله أحب إلي من خمسمائة حجة.

وقال ميمون بن مهران : ذكر الله باللسان حسن، وأفضل منه أنه يذكر الله العبد عند المعصية فيمسك عنها.

وقال ابن المبارك : لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف، حتى بلغ ستمائة ألف.

وقال عمر بن عبد العز يز: ليست التقوى قيام الليل، وصيام النهار، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، فإن كان مع ذلك عمل، فهو خير إلى خير .

وقال أيضاوددت أني لا أصلي غير الصلوات الخمس سوى الوتر، وأن أودي الزكاة، ولا أتصدق بعدها بدرهم، وأن أصوم رمضان ولا أصوم بعده يوما أبدا، وأن أحج حجة الإسلام ثم لا أحج بعدها أبدا، ثم أعمد إلى فضل قوتي، فأجعله فيما حرم الله علي، فأمسك عنه.

وحاصل كلامهم يدل على أن اجتناب المحرمات  وإن قّلت  أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات، فإن ذاك فرض، وهذا نفل.

وقالت طائفة من المتأخرين : إنما قال صلى الله عليه وسلم : إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم ” لأن امتثال الأمر لا يحصل إلا بعمل، والعمل يتوقف وجوده على شروط وأسباب، وبعضها قد لا يستطاع، فلذلك قيده بالاستطاعة، كما قيد الله الأمر بالتقوى بالاستطاعة، قال تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم )، وقال في الحج : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).

وأما النهي : فالمطلوب عدمه، وذلك هو الأصل، والمقصود استمرار العدم الأصلي، وذلك ممكن، وليس فيه ما لا يستطاع، وهذا أيضا فيه نظر، فإن الداعي إلى فعل المعاصي قد يكون قويا، لا صبر معه للعبد على الامتناع عن فعل المعصية مع القدرة عليها، فيحتاج الكف عنها حينئذ إلى مجاهدة شديدة، ربما كانت أشق على النفوس من مجرد مجاهدة النفس على فعل

الطاعة، ولهذا يوجد كثيرا من يجتهد فيفعل الطاعات، ولا يقوى على ترك  المحرمات.

وقد سئل عمر عن قوم يشتهون المعصية ولا يعلمون بها، فقال : “أولئك قوم امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم“.

وقال يزيد بن ميسر ة: يقول الله في بعض الكتب : “أيها الشاب التارك شهوته، المبتذل شبابه لأجلي، أنت عندي كبعض ملائكتي“.

وقال: “ما أشد الشهوة في الجسد، إنها مثل حريق النار، وكيف ينجو منها الحصوريون؟

والتحقيق في هذا أن الله لا يكلف العباد من الأعمال ما لا طاقة لهم به، وقد أسقط عنهم كثيرا من الأعمال بمجرد المشقة رخصة عليهم، ورحمة لهم، وأما المناهي، فلم يعذر أحدا بارتكابها بقوة الداعي والشهوات، بل كلفهم تركها على كل حال، إنما أباح أن يتناول من المطاعم المحرمة عند الضرورة ما تبقى معه الحياة، لا لأجل التلذذ والشهوة، ومن هنا يعلم صحة ما قاله الإمام أحمد : إن النهي أشد من الأمر .

وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان وغيره أنه قال: “استقيموا ولن تحصلوا“.

يعنيلو تقدروا على الاستقامة كلها.

السابق
Guess oudijzerprijs actueel The Hobby
التالي
خالد الطريفي يكشف تفاصيل دوره أمام صبا مبارك في «بنات عبدالرحمن»|فيديو

اترك تعليقاً