سؤال وجواب

تحليل قصيدة ردوا علي بياني لحافظ ابراهيم

تعتبر قصيدة ردوا على بياني من أجمل القصائد الشعرية لكاتبها حافظ ابراهيم الذي ولد في محافظة أسيوط 24 فبراير 1872 – 21 يونيو 1932م. وكان شاعرًا ذائعَ الصيت، حاملًا للقب شاعر النيل الذي لقبه به صديقه الشاعر الكبير أحمد شوقي، وأيضا لقب شاعر الشعب , وفي الأطر التالية نوح لكم أحبتي المتاببعين تحليل قصيدة ردوا على بياني لحافظ ابراهيم ..

قصيدة ردوا على بياني

المحتويات

القصيدة كاملة والآبيات الحمراء هي الابيات المذكورة في الكتاب المدرسي.

رُدّوا عَلَيَّ بَياني بَعدَ مَحمودِ إِنّي عَييتُ وَأَعيا الشِعرُ مَجهودي
ما لِلبَلاغَةِ غَضبى لا تُطاوِعُني وَما لِحَبلِ القَوافي غَيرَ مَمدودِ
ظَنَّت سُكوتِيَ صَفحاً عَن مَوَدَّتِهِ فَأَسلَمَتني إِلى هَمٍّ وَتَسهيدِ
وَلَو دَرَت أَنَّ هَذا الخَطبَ أَفحَمَني لَأَطلَقَت مِن لِساني كُلَّ مَعقودِ
لَبَّيكَ يا مُؤنِسَ المَوتى وَموحِشَنا يا فارِسَ الشِعرِ وَالهَيجاءِ وَالجودِ
مُلكُ القُلوبِ وَأَنتَ المُستَقِلُّ بِهِ أَبقى عَلى الدَهرِ مِن مُلكِ اِبنِ داوودِ
لَقَد نَزَحتَ عَنِ الدُنيا كَما نَزَحَت عَنها لَياليكَ مِن بيضٍ وَمِن سودِ
أَغمَضتَ عَينَيكَ عَنها وَاِزدَرَيتَ بِها قَبلَ المَماتِ وَلَم تَحفِل بِمَوجودِ
لَبَّيكَ يا شاعِراً ضَنَّ الزَمانُ بِهِ عَلى النُهى وَالقَوافي وَالأَناشيدِ
تَجري السَلاسَةُ في أَثناءِ مَنطِقِهِ تَحتَ الفَصاحَةِ جَريَ الماءِ في العودِ
في كُلِّ بَيتٍ لَهُ ماءٌ يَرِفُّ بِهِ يَغارُ مِن ذِكرِهِ ماءُ العَناقيدِ
لَو حَنَّطوكَ بِشِعرٍ أَنتَ قائِلُهُ غَنيتَ عَن نَفَحاتِ المِسكِ وَالعودِ
حَلَّيتَهُ بَعدَ أَن هَذَّبتَهُ بِسَنا عِقدٍ بِمَدحِ رَسولِ اللَهِ مَنضودِ
كَفاكَ زاداً وَزَيناً أَن تَسيرَ إِلى يَومِ الحِسابِ وَذاكَ العِقدُ في الجيدِ
لَبَّيكَ يا خَيرَ مَن هَزَّ اليَراعَ وَمَن هَزَّ الحُسامَ وَمَن لَبّى وَمَن نودي
إِن هُدَّ رُكنُكَ مَنكوباً فَقَد رَفَعَت لَكَ الفَضيلَةُ رُكناً غَيرَ مَهدودِ
إِنَّ المَناصِبَ في عَزلٍ وَتَولِيَةٍ غَيرُ المَواهِبِ في ذِكرٍ وَتَخليدِ
أَكرِم بِها زَلَّةً في العُمرِ واحِدَةً إِن صَحَّ أَنَّكَ فيها غَيرُ مَحمودِ
سَلوا الحِجا هَل قَضَت أَربابُهُ وَطَراً دونَ المَقاديرِ أَو فازَت بِمَقصودِ
كُنتَ الوَزيرَ وَكُنتَ المُستَعانَ بِهِ وَكانَ هَمُّكَ هَمَّ القادَةِ الصيدِ
كَم وَقفَةٍ لَكَ وَالأَبطالُ طائِرَةٌ وَالحَربُ تَضرِبُ صِنديداً بِصِنديدِ
تَقولُ لِلنَفسِ إِن جاشَت إِلَيكَ بِها هَذا مَجالُكِ سودي فيهِ أَو بيدي
نَسَختَ يَومَ كَريدٍ كُلَّ ما نَقَلوا في يَومِ ذي قارَ عَن هاني بنِ مَسعودِ
نَظَمتَ أَعداكَ في سِلكِ الفَناءِ بِهِ عَلى رَوِيٍّ وَلَكِن غَيرُ مَعهودِ
كَأَنَّهُم كَلِمٌ وَالمَوتُ قافِيَةٌ يَرمي بِهِ عَرَبِيٌّ غَيرُ رِعديدِ
أَودى المَعَرّي تَقِيُّ الشِعرِ مُؤمِنُهُ فَكادَ صَرحُ المَعالي بَعدَهُ يودي
وَأَوحَشَ الشَرقُ مِن فَضلٍ وَمِن أَدَبٍ وَأَقفَرَ الرَوضُ مِن شَدوٍ وَتَغريدِ
وَأَصبَحَ الشِعرُ وَالأَسماعُ تَنبِذُهُ كَأَنَّهُ دَسَمٌ في جَوفِ مَمعودِ
أَلوى بِهِ الضَعفُ وَاِستَرخَت أَعِنَّتُهُ فَراحَ يَعثُرُ في حَشوٍ وَتَعقيدِ
وَأَنكَرَت نَسَماتُ الشَوقِ مَربَعَهُ تُثيرُها خَطَراتُ الخُرَّدِ الخودِ
لَو أَنصَفوا أَودَعوهُ جَوفَ لُؤلُؤَةٍ مِن كَنزِ حِكمَتِهِ لا جَوفَ أُخدودِ
وَكَفَّنوهُ بِدَرجٍ مِن صَحائِفِهِ أَو واضِحٍ مِن قَميصِ الصُبحِ مَقدودِ
وَأَنزَلوهُ بِأُفقٍ مِن مَطالِعِهِ فَوقَ الكَواكِبِ لا تَحتَ الجَلاميدِ
وَناشَدوا الشَمسَ أَن تَنعي مَحاسِنَهُ لِلشَرقِ وَالغَربِ وَالأَمصارِ وَالبيدِ
أَقولُ لِلمَلَإِ الغادي بِمَوكِبِهِ وَالناسُ ما بَينَ مَكبودٍ وَمَفؤودِ
غُضّوا العُيونَ فَإِنَّ الروحَ يَصحَبُكُم مَعَ المَلائِكِ تَكريماً لِمَحمودِ
يا وَيحَ لِلقَبرِ قَد أَخفى سَنا قَمَرٍ مُقَسَّمِ الوَجهِ مَحسودِ التَجاليدِ
يا وَيحَهُ حَلَّ فيهِ ذو قَريحَتُهُ لَها بِخِدرِ المَعالي أَلفُ مَولودِ
فَرائِدٌ خُرَّدٌ لَو شاءَ أَودَعَها مُحصي الجَديدِ سِجِلّاتِ المَواليدِ
كَأَنَّها وَهيَ بِالأَلفاظِ كاسِيَةٌ وَحُسنُها بَينَ مَشهودٍ وَمَحسودِ
لَآلِئٌ خَلفَ بَلّورٍ قَدِ اِتَسَقَت في بَيتِ دُهقانَ تَستَهوي نُهى الغيدِ
مَحمودُ إِنّي لَأَستَحييكَ في كَلِمي حَيّاً وَمَيتاً وَإِن أَبدَعتُ تَقصيدي
فَاِعذِر قَريضِيَ وَاِعذِر فيكَ قائِلَهُ كِلاهُما بَينَ مَضعوفٍ وَمَحدودِ

تحليل قصيدة ردوا علي بياني لحافظ ابراهيم

كان لإحياء الحضارة كما عرفها العرب في منتصف القرن التاسع عشر الأثر الأكبر في تجاوز الأدب العربي لكل ما أصابها من ندم في زمن الانحطاط ، وهو ما تسبب في ظهور مدرسة إحياء النموذج ، لأن شعراء العصر عملوا جاهدين على الدفع بعملية الإبداع الشعري إلى مستوى فني عالٍ ، تمامًا مثل شعراء العصور القديمة باعتبارهم نماذج أجدر بالاتباع، وهو ما تحقق عند الكتابة على منوالهم، سواء أتعلق الأمر بالخصائص الفنية أم بالمضامين الشعرية المعهودة.

وخلف إحياء الشعر شعراء عظماء أمثال: محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وعلال الفاسي. ناهيك عن مؤلف القصيدة قيد التحليل ، حافظ إبراهيم ، الشاعر المصري الملقب بشاعر النيل. بالنظر إلى الأشكال الهندسية والأسطر الأولى من القصيدة ، يمكن القول إننا نواجه قصيدة إحياء. عن ماذا تتحدث مضمون القصيدة ؟ إلى أي مدى تمثل قصيدة ” ردوا على بياني” حركة نموذج الإحياء؟

تلخيص قصيدة ردوا علي بياني لحافظ ابراهيم

كيف يمكن لشاعر أن يبدأ في كتابة الشعر بالاعتراف الصريح بأنه لا يستطيع كتابة الشعر ببلاغة كما كان في الماضي؟ حيث توفي الشاعر الكبير ومعلمه محمود سامي البارودي الأمر الذي أثار الانفعال وحسرة وحزن يؤديان إلى الأرق والقلق. ثم بدأ يندب الشاعر الميت ويمدحه على فضائله ، معتبرا إياه زعيم الشعر ورجلًا نبيلًا. وأخيراً يختتم الشاعر نصه باحترام لجبرائيل والملائكة المرافقين لهم بدعوة المعزين للتأدب في المسيرة مما يدل على المكانة السامية لمحمود.

بناء عليه، يتوزع معجم القصيدة إلى حقلين دلاليين؛ حقل دال على الذات الشاعرة، ونمثل له بـــــــ(عييت- لا تطاوعني – سكوتي- أفحمني…) وحقل دال على مناقب الفقيد، ونمثل له بـــــ( مؤنس الموتى- فارس الشعر- هز الحسام- لبى- نودي..). والملاحظ أن بين الحقلين علاقة ترابط وتكامل، حيث إن كليهما يخدمان غرض الرثاء التقليدي. كما تجلى تبني التراث القديم في اعتماد الشاعر للغة تقليدية جزلة تستوحي مفرداتها من القاموس القديم.

البنية الإيقاعية للقصيدة

إن ما يلفت النظر هو اعتماد الشاعر على الشكل الهندسي القديم القائم على نظام الشطرين المتناظرين، بالإضافة إلى نظم الشاعر القصيدة على بحر البسيط، تفعيلاته: مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن…مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن. وقد وردت العروضة مخبونة والضرب مقطوعا(فعْلن). أما القافية (هودي)فقد جاءت مطلقة مردوفة أحيانا بالواو (ممدود)وأحايين أخرى بالياء(تسهيد)، ومن حيث الحركات نجدها متواترة(/0/0)، وهي كذلك في سائر أبيات القصيدة، والحال نفسه لحرف الروي الدال الذي ورد موحدا احتذاء بالقدامى، ويمكن تفسير وروده مجرورا بتماشيه مع نفسية الشاعر المنكسرة، جراء فقدان صديقه العزيز محمود سامي البارودي. وقد عضد الشاعر هذا الإيقاع الخارجي بنسق إيقاعي داخلي تمثل في ظاهرتي التوازي التكرار. فأما التوازي، فالأمر يتعلق بالتناظر الحاصل بين المتتاليات اللغوية، كما الحال في البيت الخامس إذ نجد توازيا تركيبيا يفيد تشابها على مستوى الإعراب، وتوازيا دلاليا قائما على التناسب(يامؤنس الموتى/ يا فارس الشعر..)، والشأن نفسه في البيت العاشر ( خير من هز اليراع/ من هز الحسام..)، وقد حقق التوازي وظيفة تأثيرية إقناعية إذ تماشى وسياق الحسرة والأسف عل فقدان سيد الشعراء سامي البارودي.

وأما ظاهرة التكرار، فمظاهره عديدة، كتكرار حرف النداء (يا) أربع مرات، دلالة على تعلق الشاعر بمرثيه وحسرته على موته، والوظيفة نفسها عند الحديث عن تكرار (لبيك) ثلاث مرات، ونشير أيضا إلى تكرار (من) الموصولية في البيت العاشر، لما تؤديه من وظيفة دلالية متمثلة في إصرار الشاعر على تعداد محاسن الفقيد الكثيرة، ناهيك عن أهمية التكرار الجمالية حيث تولد منه جرس موسيقي يستميل المتلقي.

ومن جهة أخرى، يحفل النص بصور شعرية عدة ذات نزعة بيانية، إذ إن أغلبها قائم على المشابهة كما الحال في البيت التاسع، حيث التشبيه البليغ (تجري السلاسة في أثناء منطقه تحت الفصاحة جري الماء في العود)، إذ شبه الشاعر فصاحة وطلاقة لسان البارودي بجري الماء في العود. فالصورة ذات وظيفة بيانية إقناعية، حيث إقناع المتلقي بخسارة الأمة لشاعر فحل ولمحارب شجاع، ناهيك عن وظيفتها الجمالية التزينية. والبعودة إلى البيت الثاني نلفي صورة استعارية (ما للبلاغة غضبى) فالشاعر شبه البلاغة بالإنسان، مستعيرا صفة الغضب، وهي خاصية الإنسان، للبلاغة على سبيل الاستعارة المكنية. القول ذاته في عبارات أخرى مماثلة( ظنت سكوتي/ درت أن هذا الخطب/ لأطلقت من لساني..) ونجد في البيت الثامن استعارة مكنية، أيضا، حيث شبه الشاعر الزمان بالإنسان البخيل، والمشبه به محذوف لكن ثمة ما يدل عليه وهو لفظ (ضن). وهذه الصور الاستعارية المكثفة دالة على تبعية الشاعر للقدامى ذوي الميول إلى النزعة البيانة، فهي مستحضرة لدى الشاعر لوظيفتها التأثيرية، أي التأثير في المتلقي بمدى حسرته وحزنه على فقيد العروبة سامي البارودي.
وأما من ناحية الأسلوب، زاوج الشاعر حافظ إبراهيم بين ما هو خبري وإنشائي، فالأسلوب الخبري مجسد في الجمل الفعلية الواردة بقوة (أعيا الشعر مجهودي. أسلمتني إلى هم.نزحت عن الدنيا.تجري السلاسة..) والملحوظ أن الخبر في النص تجاوز فائدة الإخبار إلى غرضين أساسيين لدى الشاعر هما الحسرة والرثاء. وأما الإنشاء، فالأمر يتعلق بصيغ الأمر(رُدّوا علي. غضّوا العيون..) والاستفهام (ما للبلاغة غضبى. ما لحبل القوافي غير ممدود ؟) والتمني (ولو درت..) والنداء (يا مؤنس الموتى. يا فارس الشعر. يا خير من هز اليراء..) والسر وراء إيراد الأسلوب الإنشائي هو إثارة انتباه القارئ إلى حالة الشاعر النفسية حيث التعلق الشديد بصديقه محمود سامي البارودي. وبالنسبة للضمائر، فقد تناوب الضميران المفرد المتكلم الملخص لتأسف الشاعر وحسرته على وفاة محمود، والضمير المخاطب المهيمن تماشيا ومقصيدته الشاعر، حيث التذكير بمحاسن الفقيد.
وصفوة القول، مثلت قصيدة “ردّوا علي بياني” خصائص ومقومات حركة إحياء النموذج، إذ التزم صاحبها حافظ إبراهيم بالتراث الشعري العربي القديم، فعلى المستوى الفني نجده معتمدا الشكل القائم على الشطرين المتناظرين ووحدة القافية والروي، ومستندا إلى قاموس تقليدي وصور ذات نزعة بيانية. وأما المستوى المضموني، فالشاعر استلهم الرثاء باعتباره غرضا شعريا معهودا لدى القدامى. وإذا كان كذلك فهل ثمة شعراء آخرون آمنوا بضرورة تجديد الكتابة الشعرية العربية وفق حاجيات الذات والعصر؟

 

السابق
تتكون الجبال الجليية من مياه عذبة صح أم خطأ
التالي
مها الصغير توجه رسالة لنجلها في عيد ميلاده

Leave a Reply